سورة آل عمران - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله عز وجل: {فتقبلها ربها بقبول حسن} يعني أن الله تعالى تقبل مريم من حنة مكان الذكر المحرر بمعنى قبل ورضي. قال الزجاج: الأصل في العربية تقبلها بتقبل ولكن قبول محمول على قبلها قبولاً كما يقال: قبلت الشيء قبولاً إذا رضيته. وقال أبو عمر: ليس في المصادر فعول بفتح الفاء إلاّ هذا ولم أسمع فيه الضم. قيل معنى التقبل والقبول واحد وهما سواء وهو أن يرى الشيء ويأخذه. وقيل معنى التكفل في التربية والقيام بشأنها، وإنما قال بقبول للجمع بني الأمرين يعني التقبل الذي بمعنى التكفل والقبول الذي بمعنى الرضا {وأنبتها نباتاً حسناً} معناه وأنبتها فنبتت هي نباتاً حسناً قال ابن عباس في قوله تعالى: {فتقبلها ربها بقبول حسن} أي سلك بها طريق السعداء: {وأنبتها نباتاً حسناً} يعني سوى خلقها من غير زيادة ولا نقصان، فكانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام {وكفلها زكريا} قال أهل الأخبار: لما ولدت حنة مريم أخذتها فلفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهو يؤمئذ يلون من بيت المقدس ما تلي الحجبة من الكعبة، وقالت: دونكم النذيرة فتنافس فيها الأحبار لأنها بنت إمامهم وصاحب قربانهم قال زكريا: أنا أحق بها لأن خالتها عندي فقالت له الأحبار لو تركت لأحق الناس بها لتركت لأمها التي ولدتها ولكنا نفترع عليها فتكون عند من خرج سهمه بها، فانطلقوا وكانوا تسعة وعشرين رجلاً إلى نهر جار قيل: هو الأردن فألقوا أقلامهم في الماء على أن من ثبت قلمه في الماء وصعد فهو أولى بها من غيره وكان على كل قلم مكتوب اسم واحد منهم وقيل بل كانوا يكتبون التوراة فالقوا أقلامهم التي كانت بأيديهم فارتفع قلم زكريا فوق الماء ووقف وانحدرت أقلامهم ثم رسبت في النهر. وقيل جري قلم زكريا مصعداً إلى أعلى وجرت أقلامهم مع جري الماء إلى أسفل فسهمهم زكريا وقرعهم، وكان زكريا رأس الأحبار ونبهم فذلك قوله تعالى: {وكفلها زكريا} قرئ بتشديد الفاء ومعناه وضمنها الله زكريا وضمها إليه بالقرعة. وقرئ بتخفيف الفاء ومعناه ضمها زكريا إلى نفسه بالقرعة وقام بأمرها وهو زكريا بن أذن بن مسلم بن صدوق من أولاد سليمان بن داود عليهما السلام، فلما ضم زكريا مريم إلى نفسه بنى لها بيتاً واسترضع لها المراضع وقيل: ضمها إلى خالتها أم يحيى حتى إذا شبت وبلغت مبلغ النساء بني لها محراباً في المسجد وجعل بابه في وسطه ولا يرقى إليه إلاّ بسلم ولا يصعد إليها غيره. وكان يأتيها بطعامها وشرابها كل يوم فذلك قوله تعالى: {كلما دخل عليها زكريا المحراب} يعني الغرفة والمحراب اشرف المجالس ومقدمها، وكذلك هو من المسجد وقيل: المحراب ما يرقى إليه بدرج.
وقيل كان زكريا يغلق عليها سبعة ابواب فإذا دخل عليها المحراب {وجد عندها رزقاً} يعني فاكهة في غير وقتها فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء {قال} يعني زكريا {يا مريم أنى لك هذا} أي من أين لك هذه الفاكهة {قالت} يعني مريم مجيبة لزكريا {هو من عند الله} يعني من الجنة. وقيل: إن مريم من حين ولدت لم تلقم ثدياً بل كان يأتيها رزقها من الجنة فيقول زكريا: يا مريم أنى لك هذا فتقول هو من عند الله تكلمت وهو صغيرة في المهد كما تكلم ولدها عيسى عليه السلام وهو صغير في المهد. وقال محمد بن إسحاق: أصابت بني إسرائيل أزمة وهي على ذلك من حالها حتى ضعف زكريا عن حملها وكفالتها فخرج على بني إسرائيل فقال: يا بني إسرائيل تعلمون والله لقد كبرت سني وضعفت عن حمل بنت عمران فايكم يكفلها بعدي: فقالوا: والله لقد جهدنا وأصابنا من السنة ما ترى فتدافعوها بينهم ثم لم يجدوا من حملها بداً فتقارعوا عليها بالأقلام فخرج السهم لرجل نجار يقال له يوسف بن يعقوب وكان وكان ابن عم لمريم فحلمها فعرفت مريم في وجهه شدة ذلك عليه. فقالت: يا يوسف أحسن بالله الظّن فإن الله سيرزقنا، فصار يوسف يرزق لمكانها منه فكان يأتيها كل يوم من كسبه بما يصلحها إذا أدخله عليها في المحراب أنماه الله وزاده فيدخل زكريا عليها فيقول: يا مريم أنى لك هذا فتقول: هو من عند الله {إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} وهذا يحتمل أن يكون من تمام كلام مريم أو ابتداء كلام من الله عز وجل ومعناه أن الله تعالى يرزق من يشاء بغير تقدير لكثرته أو من غير سبب، وفي هذه الآية دليل على جواز كرامات الأولياء وظهور خوارق العادات على أيديهم قال أهل الأخبار: فلما رأى زكريا ذلك قال: إن الذي قدر على أن يأتي مريم بالفاكهة في غير وقتها وحينها من غير سبب لقادر أن يصلح زوجي ويهب لي ولداً من غير حينه مع الكبر وطمع في الولد. وذلك أن أهل بيته كانوا قد انقرضوا، وكان زكريا قد كبر وشاخ وأيس من الولد.


قوله عز وجل: {هنالك دعا زكريا ربه} يعني أنه عليه السلام دخل محرابه وأغلق الأبواب وسأل ربه الولد {قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة} يعني أنه قال: يا رب أعطني من عندك ولداً مباركاً تقياً صالحاً رضياً والذرية تطلق على الواحد والجمع والذكر والأنثى والمراد هنا الواحد وإنما قال طيبة لتأنيث لفظ الذرية {إنك سميع الدعاء} أي سامعه ومجيبه.


قوله عز وجل: {فنادته الملائكة} يعني جبريل عليه السلام، وإنما أخبر عنه بلفظ الجمع تعظيماً لشأنه ولأنه رئيس الملائكة، وقل أن يبعث إلاّ ومعه جمع من الملائكة فجري ذلك على مجرى العادة {وهو قائم يصلي في المحراب} أي في المسجد وذلك أن زكريا عليه السلام كان الخبر الكبير الذي يقرب القربان ويفتح لهم الباب فلا يدخلون حتى يأذن لهم في الدخول، فبينما هو قائم يصلي في محرابه عند المذبح والناس ينتظرون أن يأذن في الدخول إذا هو برجل شاب عليه ثياب بيض ففزع زكريا منه فناداه جبريل عليه السلام يا زكريا {إن الله يبشرك بيحيى} أي بولد اسمه يحيى قال ابن عباس: سمي يحيى لأن الله تعالى أحيا به عقر أمه وقيل: لأن الله تعالى أحيا قلبه بالإيمان وقيل لأن الله تعالى أحياه بالطاعة حتى لم يهم بمعصية قط {مصدقاً بكلمة من الله} يعني عيسى ابن مريم وإنما سمي عيسى عليه السلام كلمة لأن الله تعالى قال له: كن فكان من غير أب دلالة على كمال القدرة فوقع عليه اسم الكلمة لأنه بها كان. وقيل سمي كلمة لأن عيس عليه السلام كان يرشد الخلق إلى الحقائق والأسرار ويهتدي به كما يهتدي بكلام الله تعالى فسمي كلمة بهذا الاعتبار. وقيل سمي كلمة لأن الله تعالى بشر به مريم على لسان جبريل عليه السلام: وقيل لأن الله أخبر الأنبياء الذين قبله في كتبه المنزّلة عليهم أنه يخلق نبياً من غير واسطة أب، فلما جاء قيل: هذا هو تلك الكلمة يعني الوعد الذي وعد أنه يخلقه كذلك. وكان يحيى أول من آمن بعيسى وصدقه، وكان يحيى أكبر من عيسى بستة أشهر وكانا ابني خالة وقتل يحيى قيل أن يرفع عيسى عليه السلام. وقيل: إن أم يحيى لقيت أم عيسى وهما حاملتان فقالت أم يحيى لأم عيسى: يا مريم أشعرت أني حامل فقالت مريم: وأنا أيضاً حامل فقالت أم يحيى: يا مريم إني لأجد ما في بطني يسجد لما في بطنك فذلك قوله: {مصدقاً بكلمة من الله} يعني أن يحيى آمن بعيسى وصدق به {وسيداً} من ساد يسود. والسيد هو الرئيس الذي يتبع وينتهي إلى قوله. وكان يحيى عليه السلام سيد المؤمنين ورئيسهم في الدين والعلم والحلم. وقيل: السيد هو الحسن الخلق وقيل: هو الذي يطيع ربه وقيل: هو الفقيه العالم وقيل: سيداً في العلم والعبادة والورع وقال السيد هو الحليم الذي لا يغضبه شيء وقيل: السيد هو الذي يفوق في جميع خصال الخير. وقيل: هو السخي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا: جد بن قيس على أنا نبخله قال وأي داء أدوأ من البخل لكن سيدهم عمرو بن الجموح».
{وحصوراً} قال ابن عباس وغيره من المفسرين: الحصور الذي لا يأتي النساء ولا يقربهن فعلى هذا هو فعول بمعنى فاعل يعني أنه حصر نفسه عن الشهوات وأصله من الحصر وهو الحبس: وقيل: هو العنين وقيل هو الفقير الذي لا مال له فيكون الحصور بمعنى المحصور يعني الممنوع من النساء. قال سعيد بن المسيب: كان له مثل هدبه الثوب وقد تزوج مع ذلك ليغض بصره وفيه قول آخر: وهو أن الحصور هو الممتنع عن الوطء مع القدرة عليه، وإنما تركه للعفة والزهد فيه وهذا القول هو الصحيح وهو قول جماعة من المحققين وهو أليق بمنصب الأنبياء لأن الكلام إنما خرج مخرج المدح والثناء وذكر صفة النقص في معرض المدح لا يجوز، وأيضاً فإن منصب النبوة يجل من أن يضاف إلى أحد منهم نقص أو آفة، فحمل الكلام على منع النفس من الوطء مع القدرة عليه أولى من حمله على ترك الوطء مع العجز عنه {ونبياً من الصالحين} يعني أنه من أولاد الأنبياء الصالحين.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10